• "قلعة الأحرار": لم تكن كالقلاع شاهقة البناء فقد شيدت في تقشف شديد لا يدل على ذوق معماري رفيع فجاءت عبارة عن بناءات مستطيلة متوازية من غير أي تزويق أو بهرجة وزخرف. كانت قلعة منعزلة في الخلاء كالقلاع المعروفة، بيد أنها لا تشرف على شيء ولا تحتاط من هجوم محتمل، ولا تواجه أعداء، ولا تخوض معارك ضد غزاة حقيقيين يطمعون فيها. وعلى الرغم من هذا كله، فإنها قلعة فعلًا. فالقلاع لا تكون قلاعًا إلا بأسرارها وناسها، وخصوصًا بعجز من هم خارجها من معرفة مسالكها ودهاليزها وخفاياها أكثر مما هي بهندستها وشكلها وحجارتها وصلابتها ومناعتها وشموخها.

    إنها مثال ناطق عن لعبة توهم وإيهام يصدقها الجميع داخل القلعة وخارجها، فيقتاتون من كذبة فاتنة شيقة وهم يلوكون سرًا غامضًا محيرًا. لذلك سأروي لكم شيئًا من هذا السر وبعضًا من حياة ساكني القلعة وتردداتهم وحيرتهم، وبطولاتهم ونذالتهم، وإخلاصهم وخيانتهم، وحروبهم وهزائهم، وإخفاقاتهم وانتصاراتهم. إن الدهليز المخيف لا يظل مرعبًا إذا نزلنا إليه واعتدنا ظلمته الحالكة، والشعاب المخوفة لا تظل خطيرة إذا دخلناها وخرجنا منها سالمين.

  • كان الوحيد الذي يستحق زعامة هذا الشعب. لكن رياح التاريخ في بلادنا تهب دائمًا عكس مصلحتها. كان الوحيد الذي فهم روح هذا الشعب العظيم. شعب استمرأ الخضوع لكل مستبد يمسك بخناقه كالدجاجة، شعب إذا شعر بالاختناق أكثر مما يجب ينتفض في النزع شبه الأخير ( يسمي المؤرخون ذلك ثورات ) ثم يسلم أمره لأول طامح إلى السلطة، شعب إذا أتيحت له المشاركة في انتخاب رئيسه يصوّت في اللحظة الحاسمة لمستبد جديد. كان الوحيد الذي فهم روح هذه الشعب العظيم إذ هو منحدر من أعماقه، لم يأت من بلدية العاصمة ذوي الدماء الزرقاء ولا من السواحل التي سكنتها روح التجارة وروائح رأس المال العفن. من روح هذا الشعب تشرّب قيمه وأسلوبه في العيش والتعامل وحتى في البذاءة المحببة إلى النفس. وجعل الله له نخبة من إخوان الصفاء يشدّون أزره. لقد كان مهدينا المنتظر لكنه قصف في المهد. وهذه الورقات من مناقبه وسيرته العطرة الفيحاء الزكية تستعيد نتفا من زعامته الخالدة.

  • التفت عبد الناصر. لمح في المرآة المقابلة زليخة من قفاها. انتفض من الكرسيّ قائلًا في دهشة: - "أية صدفة، الشعر المجعد الذهبي، الغمازتان الرائعتان، الشفة المكتنزة، الحاجبان المقوّسان.. لا أكاد أصدق.. عفوًا.. لا أقصد شيئًا"

    رأت في عينيه التماعة غريبة. أحست بارتعاش في المكان نفسه.. رعشة جعلت زغب جسمها ينتفق. أحست بتخدير.. حالة من الانتشاء منذ أن أخذ في وصفها. أحست نفسها مدفوعة إليه دفعًا. نسيت الطب وأخلاقيته والأسنان والعيادة. استحالت جسدًا متقدّا. شعرت بالحرارة ترتفع في جسمها. ذهبت بسرعة إلى غرفتها ونزعت القميص بقيت في الميدعة البيضاء تحتها الحصّارة. زرّت الميدعة بسرعة وعادت إلى قاعة الفحص. أغمض عينيه ليسرح بخياله في وجهها وفي الصورة التي استحضرها مقارنًا موازنًا مقربا مبعّدًا. كل شيء متطابق. مذهل.

  • بدأت الحكاية على نحو مفاجئ، وانتهت بسرعة دون أن أتمكّن من كشف خفاياها. كان إحساسي بالقهر وتعطّشي لمعرفة الحقيقة قد دفعاني طيلة سنة تقريبا، إضافة إلى عنادي وبحثي عن سبق صحفيّ وأوهامي عن صحافة الاستقصاء، إلى الاشتغال على ملفّ الجوهرة السوداء في تاج كرة القدم التونسيّة «باغندا». فتحتُ صناديق كنت أجمع فيها أوراقي ومقالاتي ورسائلي فخرج باغندا من تلافيف الذاكرة كالنبتة الشيطانيّة. وها أنا أسعى إلى ترميم ذاكرتي وإعادة تركيب شتات من حكاية باغندا ولملمة نثار من قضيّة حُكم فيها بإسدال ستار من الصمت عليها وعلى ضحيّتها. فوقتها، أواخر سنة 1987، كانت البلاد تعيش حربا ضَروسا بين سلطة بورقيبة المتهاوية وبين الإسلاميّين الذين توهّموا أنّ السلطة تناديهم وما عليهم إلاّ أن يقبضوا عليها. واليوم لم يعد أحد يذكر الحكاية أو ربّما لا أحد يريد أن يذكرها.

  • رغم كلّ شيء ثمّة أمْرٌ ما يربطهما أكثر من الزواج الذي ساقته الظّروف والصّدفة. حين تشرع شفتا الطلياني تمتصّان رضاب تلك القصبة المفكّرة وتجوس يداه في ملمسها اللّيّن، تصبح غصنًا أخضر غضًّا يتلوّى كلّما مسّتْه ريحُ الرّغبةِ. هذه النّبتة الشّيطانيّة مذهلةٌ قُلَّبٌ لا تستقرّ على هيئة واحدة. يراها غصنًا جافًّا أو جذعًا يابسًا أحيانًا. وتكون أحيانًا أخرى عُودًا منوّرًا طيّبَ الرّيح يجدّد الحواسّ التي تبلّدت. ربّما كان ذلك بعض ما جعل طريقيهما يفترقان في أكثر الأيّام، ولكنّهما يلتقيان في لحظة لا يعرفان سرّها. واعترفت زينة بأنّ الطلياني يمكن أن تراه في لحظات غضبه كجحيم "دانتي" أو سقوط "أورفيوس"، ولكنّها تراه في لحظات شهوته عاشقًا هنديًّا مستعدًّا للموت عشقًا. لقد كان شهوة موقوتة لا تعرف متى تنفجر ولا تترك في الجسد مكانًا لا تصله الحروق اللّذيذة أو الشّظايا القاتلة..

    لم تصارح زينة عبد النّاصر برأيها هذا فيه. وهو كذلك لم يفعل. بيد أنّ في المسألة شيئًا دقيقًا عميقًا لم تتمكّن من فهمه. فقد كانت تأخذها في البداية سكرة ممزوجة برعدة كأنّها في حالة شطح للذّوبان في جسد عبد النّاصر والانصهار الكلّي فيه. جسده حقل مغناطيس بهيّ ينوّم الحواس ويستنفرها في الآن نفسه. يذهب بالعقل فتتخدّر الأعضاء كلّها. يجعلها تشعر في آن واحد بألم لا يُطاق ولذّة لا توصف. فتستسلم وترضخ. بيد أنّها حالَمَا تثوب إلى رشدها لا يبقى إلاّ ألَمٌ حادٌّ مروّع في أحشائها أسفل البطن، كأنّ إبَرًا غليظةً تنخرها من الدّاخل وتحرّكها يد خفيّة تظلّ تحفر وتحفر ولا تتوقّف.

  • لماذا أصبح القلق والاكتئاب ظاهرتين وبائيتين؟ كشف العلماء في أنحاء مختلفة من العالم عن تسعة أسباب لذلك، بعضها بيولوجي، ولكن أبرزها يكمن في طريقة عيش الحياة المعاصرة. كتاب "إخفاق التواصل" يقدم طريقة تفكير مختلفة اختلافًا جذريًا للتعامل مع هذه الأزمة التي تجتاح عالمنا المعاصر، حيث إننا عندما نفهم الأسباب الحقيقية وراء اكتئابنا سنبدأ في تلمّس الحلول الناجحة لمعالجته.

    "لدى هذا الكتاب الكثير ليقدمه، إخفاق التواصل ليس كتابًا يتناول موضوع الصحة النفسية بشكل علمي فحسب، بل يتناول نظرة المجتمع ويسرد القصص الشائعة بيننا حول الأمراض النفسية. تكمن أهمية هذا الكتاب في محاولته لتغيير تلك القصص المتناقلة حول الاكتئاب والقلق، وربما يساعد الذين يعانون في تغيير صورتهم عن أنفسهم."

  • منذ ظهور الإنسان العاقل إلى يومنا هذا، يقدَّم تاريخ البشرية عن عمد كصنيعة ذكاء العالم، حيث يتم إعادة تكوينه أمام أعيننا. ومع ذلك فإنه في أعماق الحياة الاجتماعية الأقل وعيًا، تلك التي كرس إيمانويل تود حياته من أجلها كباحث، يكمن تفسير ما يبدو لنا اليوم على أنه الاضطراب العالمي الكبير. حيث نرى إحساسًا بالعجز يخيم على العالم الغربي في سياق ثورة تكنولوجية، بدت كأنها جعلت كل شيء ممكنًا. لكن الواقع أن التدهور يشيع في العالم، وصعود الفوارق وتدني مستوى معيشة الأجيال الشابة باتت ظواهر عالمية تقريبًا، وبرزت أشكال سياسة شعبوية في كل مكان تعارض نخبوية الطبقات العليا، وتدني مستوى المعيشة للفئات الأوسع من المجتمع، حيث باتت حداثتنا أشبه بمسيرة نحو العبودية. إن الأمر يتعلق بفهم الديناميات طويلة المدى للأنظمة العائلية، والتعبير عن هذه الأنظمة مع فهم دور الدين والأيديولوجيا، واستكشاف التمزقات التي يسببها التقدم التعليمي إذا أردنا أن نفهم أسباب الاضطراب. تسمح لنا هذه المراجعة الرائعة لتاريخ البشرية أخيرًا أن نرى بكل وضوح ما ينتظرنا غدًا.

  •  

    هذا الكتاب بمثابة "قانون" لمدرسة الحياة. إنه عرض لأشخاص من عصور مختلفة كانت لهم مساهمة في تكوين مشروعنا الثقافي، وسوف نعتبر أننا قد نجحنا في مسعانا، في الأيام والسنين القادمة، إذا وجدت نفسك، عزيزنا القارئ، تعود إلى هذه الأفكار لتساعدك في إلقاء الضوء على ما تجده في حياتك اليومية من معضلات وأحزان ومسرات. إن "مدرسة الحياة" مشروع رائد يقدم أفكارًا جيدة من أجل الحياة اليومية؛ فهو يتناول أمورًا من قبيل كيفية العثور على عمل يحقق لك الرضى والإشباع، وكيفية إتقان فن العلاقات العاطفية، وكيف تستطيع أن تصل إلى فهم أفضل للعالم.. وذلك عبر دورات، وجلسات معالجة، وكتب، وأفلام. يقع مقر المشروع في لندن، وله مقرات في ملبورن وباريس وأمستردام وساو باولو واسطنبول وبلغراد وأنتويرب وسول. إن "مدرسة الحياة" تهدف إلى تطوير الذكاء العاطفي، بمساعدة الثقافة، إيمانًا بأن العديد من مشكلاتنا تعود إلى عجز في فهمنا لذواتنا، وضعف في التعاطف والتواصل مع الآخرين. نعمل من خلال عشر مدارس حول العالم، وننتج أفلامًا، وننظم دورات تدريبية. إن سلسلة مدرسة الحياة تنشر كتبًا عن أهم مواضيع الحياة الثقافية والعاطفية.. هي كتب مصممة للمتعة والتعلم.

  • الكتاب الأول بين الكتب الأكثر مبيعًا على نطاق عالمي. كتاب بقلم واحد من أهم الأصوات في ميدان الفلسفة الحديثة، مؤلف "دروس الحب" و "عزاءات الفلسفة" و "مدرسة الحياة" يستطلع كتاب "عمارة السعادة" الصلات الساحرة الخفية بين المباني التي نسكنها وبين حسن حالنا على المدى البعيد. ما الذي يجعل بيتًا من البيوت ذي جمال حقيقي؟ ولماذا تبدو بيوت جديدة كثيرة قبيحة جدًا؟ ولماذا نخوض مناقشات حادة حول الأرائك واللوحات؟ وهل من إمكانية لحل تباينات الأذواق والتفضيلات حلًا مُرضيًا؟

    بغية الإجابة عن هذه الأسئلة وعن أسئلة كثيرة غيرها، ينظر دو بوتون إلى مبان كثيرة في أرجاء العالم، من الأكواخ الخشبية في القرون الوسطى إلى ناطحات السحاب الحديثة. يتفحّص الأرائك والكاتدرائيات ومجموعات الشاي ومجمّعات المكاتب، ثم يُعرب عن جملة أفكار فلسفية كثيرًا ما تكون مفاجأة مدهشة. سوف يأخذك كتاب "عمارة السعادة" في جولة ساحرة عبر تاريخ العمارة والتصميم الداخلي وفلسفتهما، وسوف يغيّر نظرتك إلى بيتك.

  • واحد من أعظم الأصوات في عالم الفلسفة الحديثة؛ مؤلف "دروس الحب" و "عزاءات الفلسفة" و "قلق السعي إلى المكانة" يقدم لنا دليل أسفار، إنما دليل مختلف: استكشاف لما يجعلنا نسافر، ولما نتعلمه في الطريق.

    قليلة هي النشاطات التي تعدنا بمسرات كثيرة تعادل ما تعدنا به الأسفار: الذهاب صوب مكان آخر، مكان بعيد فيه طقس وعادات ومشاهد أكثر جمالًا. لكن، ومع كثرة النصائح في شأن الأماكن التي نسافر إليها، فنحن نادرًا ما نسأل عن السبب الذي يجعلنا نذهب وكيف يمكن أن نصير أكثر رضى وإشباعًا عندما نسافر.

     

    مستعينًا بكوكبة منتقاة من الكتاب والفنانين والمفكرين، من بينهم فلوبير، إدوارد هوبر، ووردزوورث، فان جوخ، يقدم آلان دو بوتون أفكارًا كبيرة القيمة. إنه ترياق مثالي لتلك النشرات التوجيهية التي تقول لنا ما ينبغي أن نفعله. يحاول كتاب "فن السفر" أن يقدّم لنا اقتراحات مفيدة حتى نكون أكثر سعادة في أسفارنا.

  • دوار في الدوار  عنوان لمأساة موجعة و لدوائر عبثية ..إنه دوار عمره عشر سنوات تحول فيه الوطن إلى دوار لتوزيع الجوع على الجياع و إدارة شؤون البؤس المعمم.

    فالرواية ركح لقساوة عاناها الشباب فلم يتبقى منهم غير جلودهم ، فلدى السرد فيها و ترعرعت القصص من عمق مستحيل تمت العناية به جيدا...فأستاحالت الرواية إلى باحة للتحرر من الدوار بالأمل و بالتمرد.

    يجتمع في هذا العمل ماهو من قبيل الواقع و من قبيل الممكن الوقوع، و ماهو من قبيل الحقيقة  و من قبيل المجاز، و ماهو من قبيل الموجود و من قبيل المنشود، و ماهو من قبيل الفعلي و من قبيل الاستيهام. كل ذلك يجمع من العمل لا سردا محضا و لا وصفا يجري وراء التفاصيل الدقيقة بل حجاجا أيضا .

  • في هذه الحكاية المضحكة، بعنوان التمساح، يحس القارئ بتأثير من جوجول في دوستويفسكي. إنها تذكّر بقصة جوجول عن مغامرة "الأنف" العجيبة. وهذا ما يعترف به دوستويفسكي نفسه. فكما تخيّل جوجول في سبيل الإضحاك أنفًا يتخذ وجه إنسان، كذلك تساءل دوستويفسكي، حين رأي تمساحًا جيء به إلى مدينة بطرسبرج: فما عسى أن يفعله إنسان يبتلعه هذا الحيوان حيًا؟ وهكذا ألّف دوستويفسكي حكاية مضحكة تشتمل على نقد للأفكار التي كانت رائجة حوالي العام 1860

Go to Top