/رؤى: أسرار “السقيفة” وحكاياها زينب التوجاني الشروق 16/05/ 2022 يا سادتي الكرام أحدثكم اليوم عن كتاب جديد صدر عن دار محمد علي منذ أيام قليلة، قد تظن أنه رواية أو ما شابه إذا لم تكن تعرف صاحبه وحيد السعفي وقرأت له من قبل واعتدت أسلوبه في كتابة التاريخ أو ما يُخيّل لنا أنه التاريخ. عنوانه إسلام النشأة المفقود، السقيفة. هذا الكتاب يروي قصة ممكنة لم يأت بها وحيد السعفي من خياله بل من كتب التراث. جمعها من مصادر جليلة بعضها كتب مقدسة مبجلة: القرآن الكريم والكتاب المقدس بعهده القديم والجديد والأناجيل المقدسة للقديس لوقا والقديس متى والقديس يوحنا. فإن سألت من هؤلاء القديسين ولم تسمع عن أخبارهم عند المسلمين فاقرأ عنهم في كتاب السقيفة تر من أمرهم ما قد يكون مألوفا في ما تعرف في ثقافتنا الإسلامية. ففي هذا الكتاب نصوص وحكايات تشبه بعضها وإن كانت من كل دين ومن بقاع الأرض البعيدة. وفي هذا الكتاب لا شيء يأتي من خلق الكاتب بل كل ما فيه موجود في تلك المصادر المذكورة التي نعرف بعضها أو يُخيل لنا أنا نعرفها، الطبري وتاريخه وتفسيره وابن أبي حديد وشرح نهج البلاغة لعلي بن ابي طالب، وابن قتيبة وتاريخ الخلفاء وشعره والشعراء وابن كثير وبدايته ونهايته وتفسيره والبيهقي والترمذي والأصفهاني والجوهري وابن عساكر وابن سعد وابن خلدون والسيوطي والطبرسي والرازي والقرطبي وابن تيمية والمسعودي والواقدي وياقوت الحموي والفيروزابادي..وغير هؤلاء من آباء حفظوا لنا من قصص الماضي وأخبار الأولين ما حفظوا فقرأ كل ذلك الكاتب ونسج منه قصة عن إسلام لا نعرفه سوى رواية تنتقل من فم إلى فم ومن لسان إلى لسان ومن جيل إلى آخر. هذا الإسلامُ الذي ينتقل مشافهة وكتابة يعيد رسم ملامحه وحيد السعفي كأنه يرسم وجه ما نتخيله في مرآة الكتاب فنقرأ الكتاب نرى وجه خيالنا فيه: هذه لحظة البداية التي منها انطلق السرد: وفاة النبي في غفلة من الزمن، وانطلقت حكاية السقيفة، بين أخبار الفزع والنواح وخطاب عمر بن الخطاب وتدبير السياسة ومشاعر الفقد تنطلق قصة السقيفة . ثم يعود بنا النص إلى ماضي النبي وعلاقاته بنسائه وتفاصيل عجيبة وغريبة في تلك الروابط العاطفية والحميمية معهن، حتى ينتهي بنا ثانية إلى دفنه في بيت أحبهن إلى قلبه حسب ما ترويه القصة: عائشة التي تحول بيتها وهي في عز الشباب إلى مقبرة لرجال كانوا لها في حياتها ما كانوا فلما ماتوا دفنوا عندها: زوجها النبي ووالدها الخليفة وخليفته عمر. ولعلك أيها القارئ الكريم تتعجب هذا الأمر فتنكره أو تهرع إلى “السقيفة” لتتثبت في معرفة الأسرار أو إلى المصادر التي ذكرتها لك لتتأمل فيها. إن شئت أن ترى فيما كتبه وحيد السعفي تجنيا على الإسلام فعد قبل ذلك إلى المصادر التي ذكرها واقرأ الأخبار في مواطنها ثم تأمل القصة المروية وفكر مليا هل تجنى الكاتب فيما رواه على الإسلام؟ وإن كنت ترى فيما كتبه وحيد السعفي لهوا ولعبا فلتُعد قراءة الكلام مرتين لترى الوجه الخفي الذي لا يراه سوى الذين يضعون في حسبانهم النصوص الغائبة وهم يقرؤون النصّ أما إن كنت ترى فيما كتبه وحيد السعفي الحقيقة فقد يخيب أملك لانه لا يدعي قصّ الحقيقة ولا التاريخ بل هي صورة ممكنة لما نعتقد أنه حصل وقد يكون حصل أو لم يحصل ولا يدعي الكاتب أنه يعرف إن كان ما يرويه حصل أم لم يحصل. يا سادتي لماذا يجب قراءة كتاب السقيفة؟ لأنه ممتع أولا ففي قراءته لذة لمن يطلب لذة السرد. ولأنه إن بحثت عن تاريخ الإسلام وجدت فيه إمكانية لتاريخ سماه الكاتب مفقودا ولكنه على كل حال حاول إعادة المفقود فكتب صورة عنه، فها هو الكتاب يعيد المفقود فيمسي موجودا فاقرأ لعلك ترى إلى أي حد لا يمكن استرجاع المفقود- حتى إن كان الكتاب يدعي استرجاعه كما لو كان يوحى إليه من السماء السابعة- أمّا السّبب الثّالث فلأن فيه حكمة باطنة -لمن يطلب الحكمة- وتتمثل في رسالة يوجهها الكتاب لأولي الأمر من أساتذة الجامعات الذين يعتقدون أنهم أمسكوا بالحقيقة والعلم العظيم: “وما أدركتم من الحقيقة سوى سرابها ومن العلم سوى خياله، إن ما نعتقد أنه التاريخ ليس سوى ما نتصور أنه هو”. إن “السقيفة” يحاكي هذا الوهم الذي في ثقافتنا عن تاريخ مقدس لدولة الإسلام، لكنه يروي جوانب لم نعتد عليها تنزع الوهم وتكشف بشرية التاريخ وفواعله ولو كانوا أنبياء أو صحابة أو نساء أنبياء أو بناتهم أو أمهاتهم. فتاريخ البشر فيه ما فيه من نوازع البشر وتناقضاتهم وخيرهم وشرهم وعقلهم وجنونهم وصوابهم وانفعالاتهم. فكم وراء أبواب السقيفة من خبايا !! وكم في السقيفة من أسرار وحكايا.
Comments (0)