• الرواية روايات

    بين أيدنا حصيلة عمل جماعي صاغه أصحابه وهم على قناعة مشتركة بأمرين هامين: تكريم أستاذ سخّر حياته للكتابة في التاريخ والرواية من ناحية، وتناول مسألة علاقة الواقع في ماضيه وفي حاضره بذات الانسان وفكره وخياله وتأويلاته من ناحية ثانية.

    فالتاريخ سرد لأحداث سردا متناسقا في ظاهره والرواية سرد للواقع بقلم مجنّح فيجعل منها مادة لمعرفة جوهر الشيء بحكم ما يعطيه الكاتب عن قصد من "كذب فني" لذيذ  القارئ كما يقول الاستاذ الشيباني في تقديمه.

    تناول الدارسون في هذا الكتاب قضية الرواية والتاريخ فإذا بهم أمام تنوع الروايات. تنوّع يسمح للمؤرخ بأن يجعل أبطالا وبطلات من ورق تحكي نظرته للواقع والحاضر والماضي كما تسمح له بالحلم، فاذا به ينطٍّقُها ما يعجز عنه البحث في الأحداث والوقائع والوثائق.

     على هذا النحو سمحت مسيرة عبد الحميد الفهري الفكرية بأن نختار الباحثون الثمانية عشر في هذا الكتاب عنوانا لندوتهم "الرواية روايات" فتناولوا المسألة من جوانب متعددة مستلهمين من أعماله في الأدب والتاريخ كاشفين عن أعمال أدبية عديدة تاريخيّتها وعن عديد الأحداث التاريخية أدبيتها.

  • بطولات المجموعة 778 الفلسطينية التي كانت تقوم بعمليات ضد الاحتلال الصهيوني،في رواية تحكي لنا انطلاق "الطوفان"  منذ الستينات.

     قامت المجموعة 778، التي انزرعت في فلسطين المحتلة منذ 1948، بعملية تفجير مصافي البترول في حيفا.  وقد قال عنها أحد الضباط الاسرائليين عند مرافعته أثناء محاكمة أفراد المجموعة" قد تظنون سادتي أنني أروي لكم قصة من عالم الخيال، أو الكتب، ولكن لأسفي الشديد، إن أحداث القصة قد وقعت بالفعل، وهؤلاء هم الفاعلون: فوزي أحمد النمر، ومحمد حسين غريفات، ويوسف أبو الخير، وعبد حزبور، وفتح الله السقا، ورامز توفيق خليفة ".

    نستمع في هذه الرواية التسجيلية الى قائد المجموعة البطل فوزي النمر منفّذ عملية "تفجير مصافي البترول في حيفا".. يروي لنا قصته وقصة رفاقه.

    يحدثنا عن تفاصيل العملية، يحكي عن مسيرته وآرائه ومواقفه من نفسه، من رفاقه، من عائلته، من الثورة، من القيادة ومن أجهزة دولة العدو، من انتصاراته ومن عذاباته.

    نحن مع رواية تسرد العمليات الفدائية " المستحيلة" التي حصلت وتحصل وستحصل...

  • لماذا تكتب حياتك؟ وأي حياة تستحق أن تكتب؟" سنلاقي الجواب في نهاية الطريق  الأول من هذه الحياة حين يكتمل تعرفنا على حياة طفل عاش في الضنك وعرف وأهله المشاق والأهوال وأمكنه في معمعها أن ينتصر على الموت بإرادة البقاء، كأنما تنزع إلى الخلود وهي تخطب تدوين ذات بالكتابة.

    أحمد المديني

    "حنّة " هي واحدة من أهم تجارب السيرة الذاتية في تونس والوطن العربي، لا تستمد أهميتها ممّا توفّره من صور ومشاهد عن البيئة المحلية في الجنوب التونسي في الخمسينات من القرن الماضي فحسب وإنّما مما يعتمل فيها من تساؤلات حول السيرة الذاتية بوصفها موضوعا علميا انكب على دراسته المؤلّف ردحا من حياته الأكاديمية.

    عامر أبو عزّة

    الرواية السيرية  "حنة" للروائي التونسي محمد الباردي اشتغل فيها صاحبها الناقد الدارس والروائي المبدع على تفاصيل حميمية ترتبط بمحكي الجسد من جهة ومحكي المكان من جهة ثانية خاصة لما للمحكيّين من تعالق كبير وأثر مهم في سيرورة حياة الشخصية المطروحة في أوراق حنة بكثير من الصراحة والجرأة التي تغيب عن كثير من النصوص الروائية التي تتكئ على محكي الذات الساردة.

    بوخاري كريمة

    محمّد الباردي

    أكاديمي تونسي اختص بمجال السّرديات المعاصرة. وله عديد الكتابات عن إنشائية الرواية وما فيها من قضايا. روائي تجريبي كتب عديد النصوص الروائية الآسرة مثل الكرنفال وحنّة وديوان المواجع وشارع مرسيليا.

  • "بهجة لم أتوقعها! تقدم لوري غوتليب نفسها نموذجًا لقصة بحثها الخائب عن زوج. قصة معروضة من خلال مزيج من الصدق وروح الفكاهة القاتمة... الحقيقة ليست جميلة، لكنها قد تكون قادرة على تحريرنا". نيويورك تايمز بوك ريفيو

    "تزوّجيه... كتاب مخيف ومقنع إلى حد مفاجئ". ذا أوبرا ماغازين * * * لديكِ عمل يرضيكِ، وشقة ممتازة، وصديقات رائعات. إذًا، ما المشكلة إن كنتِ لم تعثري بعد على [الرجل] الذي في ذهنك؟ سوف يظهر ذات يوم -تقولين- أليس كذلك؟ لكن... ماذا لو لم يظهر؟ أو، ماذا لو كان ذلك [الرجل] أمامك، لكنك تجاوزتِه ولم تلتفتي إليه؟ تتساءل لوري غوتليب التي تجاوزت الأربعين ولا تزال عازبة: ما الصفات التي هي قُوام الرضى الرومانسي الدائم؟ وهل نحن نبحث عنها في علاقاتنا العاطفية؟ هل المبالغة في التدقيق تأخذنا إلى أمور ثانوية فنغفل عن الصفات المهمة ؟ تستطلع غوتليب في هذا الكتاب معضلة شائعة جدًا: كيف السبيل إلى التوفيق بين الرغبة في زواج سعيد وبين قائمة الصفات التي لا بد من توفرها والصفات التي لا يمكن القبول بها؟ إنها قائمة بالغة التعقيد! في سعيها للإجابة عن هذا السؤال، تنطلق غوتليب في رحلة البحث عن الحب لدى علماء وأطباء وباحثين في العلاقات الزوجية، وكذلك لدى نساء ورجال من المتزوجين والعازبين من أجيال مختلفة. إنها رحلة استكشاف في عالم العلاقات العاطفية الحديث، رحلة معمَّقة طريفة مؤلمة صادقة دائمًا، رحلة تجلو البصيرة وتنبّه العازبات إلى ضرورة النظرة الواقعية لاختيار [الرجل الجيد إلى الحد الكافي].

  • انتصبت. أضاءت في وهج المشاعل عيناها. كانت عيناها سوداوين والجفون ناعسة. تطاول سرحان مـن خلف موج الرجال. أطل فيهما. خر ساجداً. عشتروت في عشيرته لما تزل. منذ عهد بابل ترقص، على حـداء الرجال الساجدين على قدميها. أطفئت مشاعل الخيام في أسفل الغور. وعشتروت ترقص. الحداء يعلو. يقوى.

    - اِعِّهوي. اِعِّهي. اِعِّهوي. اِعِّهي.

    اشتعلتا عينا وضحا. اتسعتا. توهجتا. توهــج النهر. غمره الضوء. خرّ خلف الصخرة ساجداً سقطت دهرية من وجه كشاف النور الآتي من الضفة الأخرى خلفه. همست.

    - سرحان.

    أفاق. التفت خلفه. عينان مشعلتان. انتفض

    - وض .. دهرية..

    زحفت إليه. أسندت ظهرها إلى الصخرة بجانبه. تمتمت...

  • ... فهي تعرف البحر وتعـرف أي ذاكـرة لـمـوجـه، منذ أن كانت هي بعد طفلة تلهو على شواطئه، تعرفه بمده وجزره،

    بثورته وسكينته، بصدفه وسمكه، بظلمته وزرقته، وتشهد أن لا بحر في الدنيا كبحرها.. إنّه بحر خاص بها، وبها وحدها

    ولا يمكن أن يتبدل أو يتغير، أو يقهر فيكون بحراً لمستوطنة رشبون أو كفار شمارياهو أو أية مستوطنة يهودية أخرى، كما أرادوا له أن يكون، فلهم بحورهم التي لابد وأن يعودوا إليها، أما هو فلا..

    ولابد أن يظلوا العابرين بشاطئه ذات يوم ويرحلوا.. فعمرهم على شواطئه لم يتعد بعد عمر ذاكرة الصبية السُمر اللاهين على رمالها. ذاكرتها.

  • في النهار لم تغادرنا حكاية الجيعان، قلّبناها ألف قلبة، من هو؟ لِمَ لم يشبع؟ هل كان يأكل وحده؟ ولمَ لم يجد الشرطيّ الذي اصطحب أمّي إلى ما وراء المطبخ شيئا...

    ... وانتظرنا حتّى ملأت الظلمة الخفيفة الفيراندا، وجلسنا للعشاء، وضعنا بعض السلاطة المشويّة في صحوننا ومددنا أيدينا إلى السلّة الصغيرة المملوءة بقطع الخبز، وقبل أن نردّ أيدينا إلينا كان صوته يملأ أسماعنا وقلوبنا:

    -جييعااااااان!!

    _________

    ... وجدت نفسي أمام باب بيتها، مواربا كان، دفعته ونظرت إلى المكان الذي كانت تناديني منه، الحديقة فارغة والسور لا شيء عليه.. درت حول البيت وتابعت الممشى المحجّر عبر النباتات والأشجار القليلة التي تملأ فضاء الحديقة الضيّق.. لا أحد! هل تخيّلت كلّ شيء؟..

    قبل أن أكمل الدّورة حول بيت جيراني لمحت اليد بأصابعها ذات الرؤوس الحمراء تدعوني من وراء سياج خلفيّ قصير ملتصق بالأرض تقريبا مخفيّ وراء أعراف الميموزا الضخمة بنوّارها الكثير كأنّه عجاجة صفراء قائمة في هذا الركن القصيّ من الحديقة...

    ***

    مجموعة قصصيّة تنوّع فيها الخطاب القصصي وخضع لتقنيات القصّة القصيرة في لغة ميسورة شفّافة تتخللها بعض العامّية المستمْلَحة ... تطرّقت بجهد بحثيّ قيّم إلى مواضيع طريفة ذات راهنيّة حيّة.

    إبراهيم بن صالح

  •  ظلت هاجر تسعى لاهثة. يعيق الرمل خطواتها، وتلهب الشمس وجهها. لا بدّ أن تصل قبل الغروب. ستتيه إن تأخّرت. الأرض أمامها منبسطة جرداء ولا شيء يلوح في الأفق، والشمس الرهيبة تصبّ لهيبا يحرق وجهها وعينيها. أحسّت بالعرق يسري مع عمودها الفقري كأنه ماء جار. نزعت المعطف. ودّت لو تخفّفت من بعض الثياب الأخرى، لكن لا وقت، لن تتوقّف. عليها أن تصل قبل الغروب

    راقت لي هذه الرواية كثيرًا. فقد شدّتني بما تميّزت به من تشويق، لقد اتّخذت أسلوب الرواية البوليسيّة، ووقفت مع قضية المرأة دون إسفاف، تتحرّك فيها الحكاية بين فضاء الصحراء والقرية مع حضور المدينة.

                                أحمد السماوي

    عندما تقرأ رواية "زمن الهذيان" لرفيقة البحوري، يهزّك هروب هاجر، تاركة وليدها، متّجهة إلى الصحراء. أصيبت بفقدان الذاكرة. (...) تطهّرت من أدران المدينة بما وجدته من حبّ وصفاء.

    كأنّ لوثة النسيان قد طالت الراوي، يسند الرواية لهاجر تارة وينسى تارة أخرى هذا السند، فيتولّى هو رواية أفعالها. إنّه لعب بالنسيان والذّاكرة حكاية وسردا.

                                                          محمّد بن محمّد الخبو

    رفيقة البحوري: جامعية درّست الأدب الحديث في الجامعات التونسية، ناقدة وشاعرة وكاتبة للأطفال، ناشطة في المجال الحقوقي وفي الساحة الثقافية.

    صدر لها عدّة عناوين في مجال كتاب الطفل والدراسات النقدية والإبداعات.

  • لم أتوقع، صباح يوم، أواسط خريف 2011، أنّي ذاهبٌ إلى سماع أطول جملة غير مكتملة سمعتها في حياتي ولا توقعت أن تكون هذه الجملة مثقوبة ثقبا واسعا سيسدها والخطيب يخطب ما يحضرني من مقاطع ذكرياتي و تخيلاتي خلال خمس و أربعين دقيقة :

    أوضاع عبثية مشاهد لغو ولا معنى ثقافة بلا مثقفين بيروت بين صورها وواقعها تونس قبل و بعد الثورتها...

    يتبادر إلى ذهني أننا - أنا والخطيب نتقمص دورينعلى ركح واحد: هو ليروي سهولة أن يقول اللاشئ وأنا لأروي صعوبة أن أروي شيئا.

    هكذا كان أصل النص لحظة إحساس بفقدان المعنى: إحساس يتموج فيه السير بين تونس التي "نزعت القناع عن ممكن كان تنكر في صورة مستحيلة" وبيروت المدينة المعطاء التي تناديك إلى ما تملك وإلى ما لم تعد تملك تنفصل الكلمات عن الأشياء وتهذي خريطة العرب.

    ***

    ينقل   الطاهر لبيب   "سوسيولوجيا الغزل العربي"، من علم الاجتماع إلى رواية يواجه فيها أوضاع تفشى فيها التافه وفساد المعنى ولعله يواجه أيضاً،بنوه من الصياغة، نمطاً سائداً من الكتابة.

  • "...كانتْ العَزْري وهي تكبُر تحمل ضغينتها في صدرها، لا تحكي وجيعتها، تذهب إلى المدرسة نافرة، وتعود إلى الدار كارهة، وحتّى لعب كرة القدم الذي تعوّدت عليه مع الأولاد صار ممنوعا، فقد منعها أترابها بادّعاء أنّ ذلك مسّ من رجوليّتهم، وكذلك اللعب بالكجّة، فقد برّحتها أمّها ضربا حتّى كادت تكسر أصابع يديها، فرمي الكجّة يقتضي وضعيّات مخلّة بالحياء، تكشف المؤخّرة، وقد تبرز المقدّمة. ..."

     

    "هذه الرواية لتوفيق العلوي، نصّ  ملحميّ،  بطله تاريخ تونس المعاصر بتقلّباته وتناقضاته. لا بطل فردا واحدا فيه، إنَما بطله جماعات تسعى وأخرى تنافح. الدخّ والعزري وللّا والمغسّل وأبو سنيور شخصيّات تصارع الزمن، ويتصارع بعضها مع بعض في نسق لا ينفكّ يتحوّل. وبطل الأبطال جبل الجلود أيقونة لتاريخ تونس المعاصر من عهد الاستعمار إلى زمن العشريّة المأزومة السابقة. ورمز الرموز في هذا الجبل " ڨلتة حويتة" التي ابتلعت ما ابتلعت من أحوات بشريّة. هذه الملحمة صاغها توفيق العلوي في سرد رائق حلَاه وصف نافذ مشتقّ ممّا تختصّ به كلّ شخصيّة، وأنطق الشخصيّات بأقوالها التونسيّة الفصيحة في مقاماتها الحميمة بعد أن سمّاها تسميات من صميم واقعها المعيشيّ.

    واللافت أيضا ما جرى في هذا النصّ الرائق من أساليب الهزل الذي يبطن الكثير من الجدّ. "

  • في رواية " أشياء"
    يدمن أفراد عائلة مشتتة يعانون من الوحدة، يعمق الادمان وحدتهم، وتتعمق محنتهم. لقد اصبحت " الأشياء" سيدة أبطال الرواية تسود عالمهم حتى نخال أن الأشياء ذاتها هي الأبطال في الرواية.
    كـنت سجـينةَ صندوق خشبيّ مُعـتمٍ لسنوات طويلة. ولكنّ ذلك لم يُبطل إيماني بأنّني منذورة لغاية عظيمة: «أنْ أعكس على سطحي أملَ الأرواح البائسة في الخلاص، أنْ أكونَ الخلاص». كان ذلك إلى حدود البارحة. لم أكن أعرف بعدُ حجم الفظائع التي مرّت بهذه العائلة، حيث انـتهت رحلتي العجيبة. ورغم كلّ معارفي التي مكّنَـتني من فضح أكثر زبائني تكتّمًا، فإنّ الأحداث المتسارعة التي ضبطَتْ وَقْعَهَا أشياءُ خارقةٌ تجاوزَتْ بصيرتي. وها أنا ذا، في أكثر غرف هذا البيت غموضًا، حيث تـتراصّ ألغاز سكّانه غريبي الأطوار وأسرارهم، أسترجع ما حصل منذ بداية هذه الرحلة إلى أن استقررتُ في قصّة البارحة التي لا تُصدَّق، لأكتـشف في النهاية أنّني كنت في منتهى السذاجة.
  • في العام ١٨٦٢، قام دوستويفسكي بأول رحلة له إلى الخارج. فمر بألمانيا ووصل إلى باريس، حيث لم يمكث فيها إلا عشرة أيام، ثم سافر إلى لندن لمدة أسبوعين، عاد بعدها إلى باريس ثانية، فقضى فيها أسبوعين آخرين، ثم تركها إلى جنيف مارًا بمدينة بال. وفي جنيف التقي بصديقه نيقولا ستراخوف، فزار الصديقان إيطاليا معًا. وقد كتب ستراخوف بعد ذلك يقول: "لا الطبيعة ولا المباني ولا آثار الفن كانت تعنيه، فإنما كان ينصرف انتباهه كله إلى الناس."

  • يحكي "فاسيا"، بطل الرواية" عن أحلامه وانفعالاته وحبه الرقيق الحنون، لكن هذا الشاب الذي يعيش حياة انعزالية ويغرق مشاعره القوية وأحلامه الرومانسية، ويحلم بالانتقال من دور الشاعر المغمور أول الأمر، إلى الكاتب المتوّج بأكاليل المجد، في حاجة إلى الخروج من هذه الحياة الخيالية. إنه في حاجة إلى أن يجد صديقًا ( أو صديقة ) ليستطيع أن يفضي بمشاعره. وها هو في ليلة من ليالي شهر مايو البيضاء بينما كان الضياء يضفي على المدينة النائمة طابعًا سحريًا، يلتقي بفتاة بائسة. تتعرض للتحرش من سكير فيندفع ليحميها. إنه يشعر نحوها بشفقة عميقة لأنه يرى أنها حزينة وأن ذكرى من الذكريات كانت تبكيها فيقدم لها صداقته.

  • في هذه الرواية يصور دوستويفسكي الحيرة والتردد في الصراع بين الحقيقة والزيف، وبين الخير والشر، فيرسم في صور حية قمم السمو البشري ومهاوي الانحطاط، ولكن علام يدور هذا الصراع؟ ويجيب دوستويفسكي بأن هذا الصراع يدور على روح الانسان.

    إن الأخوة كارمازوف هي المعبر الروحي الأكثر قوة عن نفسه، إنها نوع من التعبير الأدبي المحمل بالدلالات الفلسفية العميقة، وبأفكار ذلك العبقري ونظرته إلى الحياة.

  • في هذه الحكاية المضحكة، بعنوان التمساح، يحس القارئ بتأثير من جوجول في دوستويفسكي. إنها تذكّر بقصة جوجول عن مغامرة "الأنف" العجيبة. وهذا ما يعترف به دوستويفسكي نفسه. فكما تخيّل جوجول في سبيل الإضحاك أنفًا يتخذ وجه إنسان، كذلك تساءل دوستويفسكي، حين رأي تمساحًا جيء به إلى مدينة بطرسبرج: فما عسى أن يفعله إنسان يبتلعه هذا الحيوان حيًا؟ وهكذا ألّف دوستويفسكي حكاية مضحكة تشتمل على نقد للأفكار التي كانت رائجة حوالي العام 1860

  • دوار في الدوار  عنوان لمأساة موجعة و لدوائر عبثية ..إنه دوار عمره عشر سنوات تحول فيه الوطن إلى دوار لتوزيع الجوع على الجياع و إدارة شؤون البؤس المعمم.

    فالرواية ركح لقساوة عاناها الشباب فلم يتبقى منهم غير جلودهم ، فلدى السرد فيها و ترعرعت القصص من عمق مستحيل تمت العناية به جيدا...فأستاحالت الرواية إلى باحة للتحرر من الدوار بالأمل و بالتمرد.

    يجتمع في هذا العمل ماهو من قبيل الواقع و من قبيل الممكن الوقوع، و ماهو من قبيل الحقيقة  و من قبيل المجاز، و ماهو من قبيل الموجود و من قبيل المنشود، و ماهو من قبيل الفعلي و من قبيل الاستيهام. كل ذلك يجمع من العمل لا سردا محضا و لا وصفا يجري وراء التفاصيل الدقيقة بل حجاجا أيضا .

  • لماذا أصبح القلق والاكتئاب ظاهرتين وبائيتين؟ كشف العلماء في أنحاء مختلفة من العالم عن تسعة أسباب لذلك، بعضها بيولوجي، ولكن أبرزها يكمن في طريقة عيش الحياة المعاصرة. كتاب "إخفاق التواصل" يقدم طريقة تفكير مختلفة اختلافًا جذريًا للتعامل مع هذه الأزمة التي تجتاح عالمنا المعاصر، حيث إننا عندما نفهم الأسباب الحقيقية وراء اكتئابنا سنبدأ في تلمّس الحلول الناجحة لمعالجته.

    "لدى هذا الكتاب الكثير ليقدمه، إخفاق التواصل ليس كتابًا يتناول موضوع الصحة النفسية بشكل علمي فحسب، بل يتناول نظرة المجتمع ويسرد القصص الشائعة بيننا حول الأمراض النفسية. تكمن أهمية هذا الكتاب في محاولته لتغيير تلك القصص المتناقلة حول الاكتئاب والقلق، وربما يساعد الذين يعانون في تغيير صورتهم عن أنفسهم."

  • رغم كلّ شيء ثمّة أمْرٌ ما يربطهما أكثر من الزواج الذي ساقته الظّروف والصّدفة. حين تشرع شفتا الطلياني تمتصّان رضاب تلك القصبة المفكّرة وتجوس يداه في ملمسها اللّيّن، تصبح غصنًا أخضر غضًّا يتلوّى كلّما مسّتْه ريحُ الرّغبةِ. هذه النّبتة الشّيطانيّة مذهلةٌ قُلَّبٌ لا تستقرّ على هيئة واحدة. يراها غصنًا جافًّا أو جذعًا يابسًا أحيانًا. وتكون أحيانًا أخرى عُودًا منوّرًا طيّبَ الرّيح يجدّد الحواسّ التي تبلّدت. ربّما كان ذلك بعض ما جعل طريقيهما يفترقان في أكثر الأيّام، ولكنّهما يلتقيان في لحظة لا يعرفان سرّها. واعترفت زينة بأنّ الطلياني يمكن أن تراه في لحظات غضبه كجحيم "دانتي" أو سقوط "أورفيوس"، ولكنّها تراه في لحظات شهوته عاشقًا هنديًّا مستعدًّا للموت عشقًا. لقد كان شهوة موقوتة لا تعرف متى تنفجر ولا تترك في الجسد مكانًا لا تصله الحروق اللّذيذة أو الشّظايا القاتلة..

    لم تصارح زينة عبد النّاصر برأيها هذا فيه. وهو كذلك لم يفعل. بيد أنّ في المسألة شيئًا دقيقًا عميقًا لم تتمكّن من فهمه. فقد كانت تأخذها في البداية سكرة ممزوجة برعدة كأنّها في حالة شطح للذّوبان في جسد عبد النّاصر والانصهار الكلّي فيه. جسده حقل مغناطيس بهيّ ينوّم الحواس ويستنفرها في الآن نفسه. يذهب بالعقل فتتخدّر الأعضاء كلّها. يجعلها تشعر في آن واحد بألم لا يُطاق ولذّة لا توصف. فتستسلم وترضخ. بيد أنّها حالَمَا تثوب إلى رشدها لا يبقى إلاّ ألَمٌ حادٌّ مروّع في أحشائها أسفل البطن، كأنّ إبَرًا غليظةً تنخرها من الدّاخل وتحرّكها يد خفيّة تظلّ تحفر وتحفر ولا تتوقّف.

  • بدأت الحكاية على نحو مفاجئ، وانتهت بسرعة دون أن أتمكّن من كشف خفاياها. كان إحساسي بالقهر وتعطّشي لمعرفة الحقيقة قد دفعاني طيلة سنة تقريبا، إضافة إلى عنادي وبحثي عن سبق صحفيّ وأوهامي عن صحافة الاستقصاء، إلى الاشتغال على ملفّ الجوهرة السوداء في تاج كرة القدم التونسيّة «باغندا». فتحتُ صناديق كنت أجمع فيها أوراقي ومقالاتي ورسائلي فخرج باغندا من تلافيف الذاكرة كالنبتة الشيطانيّة. وها أنا أسعى إلى ترميم ذاكرتي وإعادة تركيب شتات من حكاية باغندا ولملمة نثار من قضيّة حُكم فيها بإسدال ستار من الصمت عليها وعلى ضحيّتها. فوقتها، أواخر سنة 1987، كانت البلاد تعيش حربا ضَروسا بين سلطة بورقيبة المتهاوية وبين الإسلاميّين الذين توهّموا أنّ السلطة تناديهم وما عليهم إلاّ أن يقبضوا عليها. واليوم لم يعد أحد يذكر الحكاية أو ربّما لا أحد يريد أن يذكرها.

  • التفت عبد الناصر. لمح في المرآة المقابلة زليخة من قفاها. انتفض من الكرسيّ قائلًا في دهشة: - "أية صدفة، الشعر المجعد الذهبي، الغمازتان الرائعتان، الشفة المكتنزة، الحاجبان المقوّسان.. لا أكاد أصدق.. عفوًا.. لا أقصد شيئًا"

    رأت في عينيه التماعة غريبة. أحست بارتعاش في المكان نفسه.. رعشة جعلت زغب جسمها ينتفق. أحست بتخدير.. حالة من الانتشاء منذ أن أخذ في وصفها. أحست نفسها مدفوعة إليه دفعًا. نسيت الطب وأخلاقيته والأسنان والعيادة. استحالت جسدًا متقدّا. شعرت بالحرارة ترتفع في جسمها. ذهبت بسرعة إلى غرفتها ونزعت القميص بقيت في الميدعة البيضاء تحتها الحصّارة. زرّت الميدعة بسرعة وعادت إلى قاعة الفحص. أغمض عينيه ليسرح بخياله في وجهها وفي الصورة التي استحضرها مقارنًا موازنًا مقربا مبعّدًا. كل شيء متطابق. مذهل.

  • كان الوحيد الذي يستحق زعامة هذا الشعب. لكن رياح التاريخ في بلادنا تهب دائمًا عكس مصلحتها. كان الوحيد الذي فهم روح هذا الشعب العظيم. شعب استمرأ الخضوع لكل مستبد يمسك بخناقه كالدجاجة، شعب إذا شعر بالاختناق أكثر مما يجب ينتفض في النزع شبه الأخير ( يسمي المؤرخون ذلك ثورات ) ثم يسلم أمره لأول طامح إلى السلطة، شعب إذا أتيحت له المشاركة في انتخاب رئيسه يصوّت في اللحظة الحاسمة لمستبد جديد. كان الوحيد الذي فهم روح هذه الشعب العظيم إذ هو منحدر من أعماقه، لم يأت من بلدية العاصمة ذوي الدماء الزرقاء ولا من السواحل التي سكنتها روح التجارة وروائح رأس المال العفن. من روح هذا الشعب تشرّب قيمه وأسلوبه في العيش والتعامل وحتى في البذاءة المحببة إلى النفس. وجعل الله له نخبة من إخوان الصفاء يشدّون أزره. لقد كان مهدينا المنتظر لكنه قصف في المهد. وهذه الورقات من مناقبه وسيرته العطرة الفيحاء الزكية تستعيد نتفا من زعامته الخالدة.

  • "قلعة الأحرار": لم تكن كالقلاع شاهقة البناء فقد شيدت في تقشف شديد لا يدل على ذوق معماري رفيع فجاءت عبارة عن بناءات مستطيلة متوازية من غير أي تزويق أو بهرجة وزخرف. كانت قلعة منعزلة في الخلاء كالقلاع المعروفة، بيد أنها لا تشرف على شيء ولا تحتاط من هجوم محتمل، ولا تواجه أعداء، ولا تخوض معارك ضد غزاة حقيقيين يطمعون فيها. وعلى الرغم من هذا كله، فإنها قلعة فعلًا. فالقلاع لا تكون قلاعًا إلا بأسرارها وناسها، وخصوصًا بعجز من هم خارجها من معرفة مسالكها ودهاليزها وخفاياها أكثر مما هي بهندستها وشكلها وحجارتها وصلابتها ومناعتها وشموخها.

    إنها مثال ناطق عن لعبة توهم وإيهام يصدقها الجميع داخل القلعة وخارجها، فيقتاتون من كذبة فاتنة شيقة وهم يلوكون سرًا غامضًا محيرًا. لذلك سأروي لكم شيئًا من هذا السر وبعضًا من حياة ساكني القلعة وتردداتهم وحيرتهم، وبطولاتهم ونذالتهم، وإخلاصهم وخيانتهم، وحروبهم وهزائهم، وإخفاقاتهم وانتصاراتهم. إن الدهليز المخيف لا يظل مرعبًا إذا نزلنا إليه واعتدنا ظلمته الحالكة، والشعاب المخوفة لا تظل خطيرة إذا دخلناها وخرجنا منها سالمين.

Go to Top